سورة لقمان - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{واقصد} القصد التوسط بين العلو والتقصير {فِى مَشْيِكَ} أي اعدل فيه حتى يكون مشياً بين مشيين لا تدب دبيب المتماوتين ولا تثب وثوب الشطار. قال عليه السلام: «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» وأما قول عائشة في عمر رضي الله عنه: كان إذا مشى أسرع، فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشياً بين ذلك. وقيل: معناه وانظر موضع قدميك متواضعاً {واغضض مِن صَوْتِكَ} وانقص منه أي اخفض صوتك {إِنَّ أَنكَرَ الأصوات} أي أوحشها {لَصَوْتُ الحمير} لأن أوله زفير وآخره شهيق كصوت أهل النار. وعن الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان ولذلك سماه الله منكراً. وفي تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق تنبيه على أن أرفع الصوت في غاية الكراهة يؤيده ما روي أنه عليه السلام كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت ويكره أن يكون مجهور الصوت. وإنما وحد صوت الحمير ولم يجمع لأنه لم يرد أن يذكر صوت كل واحد من احاد هذا الجنس حتى يجمع، بل المراد أن كل جنس من الحيوان له صوت، وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس فوجب توحيده.
{أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السماوات} يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك {وَمَا فِى الأرض} يعني البحار والأنهار والمعادن والدواب وغير ذلك {وَأَسْبَغَ} وأتم {عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} مدني وأبو عمرو وسهل وحفص. {نعمة} غيرهم والنعمة كل نفع قصد به الإحسان {ظاهرة} بالمشاهدة {وَبَاطِنَةً} ما لا يعلم إلا بدليل ثم قيل: الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك. ويروى في دعاء موسى عليه السلام: إلهي دلني على أخفى نعمتك على عبادك فقال: أخفى نعمتي عليهم النفس. وقيل: تخفيف الشرائع وتضعيف الذرائع والخلق ونيل العطايا وصرف البلايا وقبول الخلق ورضا الرب. وقال ابن عباس: الظاهرة ما سوّى من خلقك والباطنة ما ستر من عيوبك. {ومِنَ الناس مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} نزلت في النضر بن الحرث وقد مر في (الحج)


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير} معناه أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب.
{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله} عدِّي هنا ب (إلى)، وفي {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112] باللام فمعناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالماً لله أي خالصاً له، ومعناه مع (إلى) أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه والمراد التوكل عليه والتفويض إليه {وَهُوَ مُحْسِنٌ} فيما يعمل {فَقَدِ استمسك} تمسك وتعلق {بالعروة} هي ما يعلق به الشيء {الوثقى} تأنيث الأوثق مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه {وإلى الله عاقبة الأمور} أي هي صائرة إليه فيجازي عليها {وَمَن كَفَرَ} ولم يسلم وجهه لله {فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} من حزن، {يُحزِنك} نافع من أحزن أي لا يهمنك كفر من كفر {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ} فنعاقبهم على أعمالهم {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} إن الله يعلم ما في صدور عباده فيفعل بهم على حسبه.


{نُمَتّعُهُمْ} زماناً {قَلِيلاً} بدنياهم {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} نلجئهم {إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ} شديد شبه إلزامهم التعذيب وإرهاقهم إياه باضطرار المضطر إلى الشيء، والغلظ مستعار من الأجرام الغليظة والمراد، الشدة والثقل على المعذب {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله قُلِ الحمد لِلَّهِ} إلزام لهم على إقرارهم بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر وأن لا يعبد معه غيره. ثم قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك يلزمهم وإذا نبهوا عليه لم يتنبهوا {لِلَّهِ مَا فِى السماوات والأرض إِنَّ الله هُوَ الغنى} عن حمد الحامدين {الحميد} المستحق للحمد وإن لم يحمدوه.
قال المشركون: إن هذا أي الوحي كلام سينفذ فأعلم الله أن كلامه لا ينفذ بقوله {وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كلمات الله} والبحر بالنصب أبو عمرو ويعقوب عطفاً على اسم (أن) وهو (ما)، والرفع على محل (أن) ومعمولها أي ولو ثبت كون الأشجار أقلاماً وثبت البحر ممدوداً بسبعة أبحر، أو على الابتداء والواو للحال على معنى: ولو أن الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدوداً وقرئ يُمِدّهُ وكان مقتضى الكلام أن يقال: ولو أن الشجر أقلام والبحر مداد، لكن أغنى عن ذكر المداد قوله {يمده} لأنه من قولك (مد الدواة وأمدها) جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة وجعل الأبحر السبعة مملوءة مداداً فهي تصب فيه مدادها أبداً صباً لا ينقطع. والمعنى: ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته وتفدت الأقلام والمداد كقوله: {قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى} [الكهف: 109] فإن قلت: زعمت أن قوله {والبحر يمده} حال في أحد وجهي الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال. قلت: هو كقولك (جئت والجيش مصطف) وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف. وإنما ذكر شجرة على التوحيد لأنه أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا وقد بريت أقلاماً، وأوثر الكلمات وهي جمع قلة على الكلم وهي جمع كثرة لأن معناه أن كلمات لا تفي بكتبتهالبحار فكيف بكلمه {أَنَّ الله عَزِيزٌ} لا يعجزه شيء {حَكِيمٌ} لا يخرج من علمه وحكمته شيء فلا تنفد كلماته وحكمه.

1 | 2 | 3 | 4